صفات الداعي إلى الله 1 ـ الاقتداء بالصالحين سورة الأنعام(6) قال الله تعالى: {أولئك الَّذين هَدى الله فبِهُدَاهُم اقْتَدِهْ قُلْ لا أسئَلُكم عليه أجراً إن هو إلاَّ ذِكرى للعالمين(90)} ومضات: ـ إن الدَّعوة إلى دين الله لا تثمر ولا تؤتي أُكُلها، ما لم يكن الداعي متخلِّقاً بأخلاق النبيين الَّتي تجعل منه قدوة حسنة للآخرين. ـ يكتفي بعض الناس بقراءة الكتب الدِّينية وسِيَر الأنبياء والصالحين، لعلَّهم يهتدون إلى المعرفة ويتزوَّدون بالعلوم الدِّينية، ولكنَّ هذا لا يفي بالغرض، بل ربَّما يؤدِّي بهم إلى العزلة ضمن محيط الدائرة النظرية للكتب، دون أن تمنحهم اللمسة الروحية والإحساس العميق بالهداية الَّتي يكتسبونها من قلبٍ حيٍّ نابض بالإيمان. ـ هذه الآية تُوجِّه دعوةً للمؤمن كي ينطلق خارج دائرة العُزلة والانطواء على الذات ويبحث عن أهل العلم والفضل، عن ورثة الأنبياء الحقيقيين الداعين إلى الله بإذنه، للاستفادة والاستزادة من علومهم والتخلُّق بأخلاقهم، لتكتمل بنية المجتمع الإيماني الَّذي يُطلَبُ من جميع أفراده أن يكونوا في عداد أحد فريقين: إمَّا فريق العلماء، أو فريق المتعلِّمين، ولا خير فيمن سواهما. في رحاب الآيات: بعد أن ذكر الله تعالى لنبيِّه المصطفى صلى الله عليه وسلم خصوصاً، ولكلِّ داع إلى الله عموماً، ثُلَّة من الأنبياء والمرسلين وجهادهم في الدعوة إلى الله، أمره بقوله: {أولئك الَّذين هدى الله فبهداههم اقتده}. وهؤلاء القدوة هم: نوح وإبراهيم ولوط وإسماعيل وإسحاق ويونس ويعقوب ويوسف وموسى وهارون وداود وسليمان وأيوب وزكريا وإلياس واليسع ويحيى وعيسى عليهم الصَّلاة والسَّلام. إن القدوة الحسنة هي من أهمِّ الوسائل الناجحة في سلامة مسار العملية التربوية، وهي دعامة متينة يستند إليها كلٌّ من المعلم والمتعلِّم على حدٍّ سواء. ولما كانت رحلة الإنسان على الأرض قصيرة إذا قيست بسنيِّ الزمن المديدة، وتحتاج إلى السير بخطوات مدروسة منظَّمة منضبطة بضوابط صحيحة سليمة، كان لابدَّ لها من المشرِّع الحكيم ذي العلم الشامل والَّذي يعرف ما ينفع الإنسان فيأمره به، وما يضرُّه فينهاه عنه؛ إنه الله الَّذي اقتضت حكمته أن يجعل حياة الإنسان قسمين يدوران حول محور واحد ألا وهما: التعلُّم والتعليم. وقد حثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم عليهما بإيجاز شديد فقال: «ليس منِّي إلا عالم أو متعلِّم» (رواه ابن النجار والديلمي في مسند الفردوس عن ابن عمر رضي الله عنه ) فالمتعلِّم الناجح هو من لا يأخذ العلم من بطون الكتب فحسب، بل منها ومن صدور العلماء الَّذين تشرَّبوا هذا العلم وعملوا به، ثمَّ قدَّموه للناس نقياً صافياً كريماً. وإذا كان لابدَّ لكلِّ صاحب حرفة من معلِّم يوجِّهه ويصحِّح أخطاءه، ويأمره بما يجب أن يفعله وينهاه عمَّا يجب أن يتركه؛ فمن الطبيعي بل من الضروري أن يكون هناك معلِّم يعلِّم أمور الدِّين، ويعرِّف بالله عزَّ وجل، وعلى كيفية التوجُّه إليه إلهاً واحداً لا شريك له، وكيفية حمل الأمانة الَّتي أوكلها الله تعالى إلينا. فمهما أوتي الإنسان من حِدَّة الذكاء، ورجاحة العقل فإنه لا يستطيع أن يتوصَّل إلى علوم الدِّين كافَّة وحده، معتمداً على الفطرة أو العقل فقط، فالفطرة قد تُشاب ببعض التيارات العقيدية المنحرفة، والعقل قد تغزوه بعض الأفكار الضالَّة فتختلط عليه الأمور ويغدو حيرانَ، لهذا كان لابدَّ من وجود حارس يقظ يضبط الفطرة والعقل معاً، وهذا الحارس هو الشريعة الَّتي يبلِّغُها الله إلى عباده عن طريق الأنبياء والرسل. فالداعية إلى الله هو الدليل الَّذي يدلُّ العباد على الله، وقبل أن يكون داعية هو بحاجة إلى من يدلُّه على شرائع الله وأحكامه، وعلى الأساليب والوسائل الَّتي يتَّبعها للتبليغ، وله في سِيَر الأنبياء والعلماء الَّذين كان لهم السبق في هذا المجال العون والمدد، لكي ينهج نهجهم ويقتدي بهم، ففي اطِّلاعه على سيرتهم وثباتهم وصبرهم، ومواقفهم من أقوامهم ومواقف أقوامهم منهم، ومعاشرته للدُّعاة المخلصين ما ينير له الطريق، ويذلِّل له الصعاب من أجل تحقيق الهدف المرجوِّ وهو الوصول بالناس إلى الإيمان الحقيقي. إن كلَّ فرد مكلَّف أن يتَّخذ دليلاً يدلُّه على الله، يسلِّم له أمر تربيته، وقيادته، ليكون له عوناً في تزكية نفسه وتَعَلُّم الكتاب والحكمة، غير آبِهٍ بأقوال الحسَّاد الناقمين، والأعداء الناقدين الَّذين يشوِّهون سمعة رجال الدِّين، بل عليه أن يقوم بدراسة ميدانية جادَّة ليصل إلى الهداة الحقيقيين، ويرتشف نور الإيمان من قلوبهم وتوجُّهاتهم وأعمالهم وتربيتهم. إن هذه الخطوة تعقبها خطوة ثانية هي مرحلة التعليم، فإذا استوعب المؤمن تعاليم الله من معلِّمه، ووعاها وعمل بها، فعليه أن يبلِّغها للناس، وهو مسؤول عن ذلك أمام الله، ولا تنجح مهمَّته هذه إلا إذا كان مخلصاً متجرِّداً، لا يبتغي منها إلا مرضاة الله، قاصداً وجهه، متخلِّياً عن مآربه الشخصية، نافضاً الدنيا عن منكبيه، مهاجراً إلى الله بقلبه ولسانه، ليفتح الله له مغاليق القلوب، ويُفيض الخير على يديه. وفي الختام يجب ألاَّ ننسى عالميَّة الإسلام فهو مُرسَل للناس كافَّة، ممَّا يوسِّعُ دائرة مسؤولية الدعاة إلى الله، فعليهم أن ينتشروا في أرض الله الواسعة، يحملون الهدى والنور إلى نفوس متعطِّشة لقطرات من رحيق السماء، لتطفئ ظمأها الروحي الَّذي تئنُّ تحت وطأته. والعالم بأسره اليوم ينتظر بروز هؤلاء العلماء بشوق ولهفة بوصفهم منقذين ومصلحين، ليُدخلوه في مرحلة جديدة من عمر الدهر، هي مرحلة الطمأنينة بالإيواء إلى ركن شديد، ركن محبَّة الله القويِّ العزيز ومعرفته معرفة خلاَّقة، تهدي إلى مكامن الخير في هذا العالم، وتجمع القلوب جميعاً على سلامة الأسرة الإنسانية وسعادتها. هذه السعادة هي ثمرة لا تحملها إلا شجرة الإسلام، فهيَّا يا دعاة الإسلام أكثروا من غرس هذه الشجرة المباركة، لتكونوا المصنع العالمي للسعادة تصدِّرون منه إلى جميع خلق الله: الحبَّ والسعادة والإخاء، بإذن الله وتوفيقه، وبصدقكم وإخلاصكم؛ فعلى بركة الله سيروا، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.